بحث : تُحفةُ الأنامِ فِي حَياةِ الخَليفةِ الأعظَمْ مولانا الشَّيخِ مُحمد المُصطفَى الكَريمْ (1)

0
1366


بقلمِ الأخ سَرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية مدرس اللغة العربية والشريعة في معهد الدروس الإسلامية

              مقدّمة:

إنَّ هَذا الشَّيخ الجَليل هو الهجيد الحَصيف المجيد البارع المتفوق الذي ورث الخَديم ولاية وعلما، إنه العبقري النِّحرير الحَصيف والبَحر الخضم الذي تقلد الخلافة الخديمية إبانَ ما قضى والده وشَيخه نحبه وانتقل إلى رفيق الأعلى، فيا لهُ من مَشروعات عِملاقة وضَخمة أنجزها أثناء خِلافته التي دامت سَنوات عَديدة !!.

هيهات هيهات أن يأتيَ الزمان 
بمثله إن الزمان بمثله لبَخيل 

وامنْ وضع الحَجر الأساسيّ للجامع الكبير !! الذي مازالت مناراته شَامخة ومعلنة بأن مدينة طوبى مدينة أسست على أساس التقوى والعلم، والعبادة، و من أبرز انجازاته القيمة أيضا مد خط سكة الحَديدية المتمدة بين جاريم وطوبى، والسَّهر على ترسيخ أصوب العلوم في أذهان أبناء الشيخ الخديم-رضي الله عنهم -، وتأسيس شتى القرى في البقاع المترامية الأطراف داخل مدينة طوبى وخارجها. فَياله من مشروعات وانجازات ذَهبية !! قلَّ الزمان أن يجُود بمثله.

ازديادهُ ونسبه :

   ازداد الشيخ محمد المصطفى امباكي وفي دار السلام [1] في الثالث من شهر محرم 1306هجري الموافق 9 سبتمبر 1888 ميلادي، ويقول صاحب الخلاصة: " حكى لي الشيخ جمبلين بوسو أن البحث عَن المكان [طوبى المحروسة] كان في نهاية 1305 هجرية 1888م وصادف مولدُ ابنه وخليفته الأول الشيخ محمد المصطفى كونَه في خلوة للعبادة والاستخارة فِي شأن موضع البلد الموعود. ومكان خلوته كان قرب حوض الوادي المسمى ببل بتاريخ  9 محرم 1305 هجرية 27/9/1887. وكان تاريخ تأسيس طوبى 18 رجب في نفس العام 31- 03 - 1888 م ويقارب مولد ابنه وخليفته الثاني الشيخ محمد الفاضل 27 رجب في السنة، 09 -04 - 1888م ومسقط رأسيهما دار السلام". [يُنظر: " خلاصة عن حياة المربّي"، للشيخ أحمد امباكي بن الشيخ محمد المنتقى]

 (( ويجبُ تصحيح المفهوم القائل أن الشيخ محمد المصطفى والشيخ محمد الفاضل قد نزلا ضيفا في امباكي أو طوبى ليس الأمرُ كذلك بل في دار السَّلام إنما الوحيد الذي ولد فِي طوبى الشيخ محمد الأمين البكي )). [ انظر:" كشف الغطاء عن الشخصية البتراء"، للباحث سرين عبد الرحمان لوح بن الشيخ مُصطفى لوح عبد الرحمان، ص: 56]

يقُول الشاعرُ اللوذعيُّ الشيخ موسى كَه – رضي الله عنه- موضحا تاريخ ولادة الشيخ محمد المصطفى امباكي :
دِكلُلْ مَوَغْلَ يَوْ حَتُمْ جُدُومْبَهْ = سَايْنُبُ عَامَ وَسَشِ تَارِخْبَهْ
دَارُ السَّلاَمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَا = مُودُنْ كَنَمْكَ دُونَ مِرَاءَا
فِكُنْنَ باَيَم كِنَّ الاِستِخَارِ = كِرْ بَكَ نجَوْ طُوَبى مَعَ الأبْرارِ
بِسْ بَمُكَنِي هَدُنَ جِسْنَ بُوبَا = لِيرَكْ رَسُول اللهِ سَرْ بَطُوبَى

ومثلُ هَذه الأبيات إن دلَّت على شَيء فإنما تدلُّ عَلى أنَّ يوم عَقيقته صادف يَوم العاشُوراء كما لا حظنا ذلك في بعض الرّوايات المُستعرضة بين أيديكم .

ثم وُلد الشيخ محمد الفاضل في ليلة 27 من رجب 1306 هجري 29 مارس 1888 ميلادي فكان بينه وبين ولادة أخيه الأكبر ستة أشهر وسبعة عشر يوما بارك الله فيها. وأما الشيخ محمد الأمين بار امباكي فقد كان ازدياده بطوبى في جمادى الأولى سنة 1309 هجري ديسمبر 1891 ميلادي، كما حقّقه صاحبُ الإرواء. 

 فهو نجل الزعيم الأكبر، المجدِّد الكبير، والداعية الإسلامي الحكيم ، والمُصلح الاجتماعي المُوَفَّق والسَّند العَظيم، والعارف المربِّي لأجيال من المُحسنين والقانتين، مولانا الشيخ أحمد بامبا المشهور بالعبد الخد يم الذي أبصر النّور في مدينة امباكي  بول الواقعة فِي إقليم جربل سنة 1270 هجرية الموافق 1853م، في أسرة عريقة في العلم والدين.

أما والدته فهي السَّيدة سخن آمنة القدوة المرضية بنت الشيخ المفسّر مختار بنت لوح والسَّيدة قر مام جوب بنت الشيخ انجك إس جوب بن الشيخ مدُ فاقجَّ بن الشيخ مختار اندومبي جوب (1701- 1754م) مؤسّس قرية كُوكي العريقة المعروفة في السِّنغال التي قدمت دورا بارزا في نشر الإسلام ، ومما يروى في الأثر أنَّ الشيخ الخديم -رضي الله عنه – قال فِي حقه :” أنّه كان سَيّد كلّ من كان فِي أرض الله كجور، من أمة سيّد المختار في زمانهِ”. [يراجع تحفة الأنساب في معرفة الأنساب، للشيخ عبد الكريم جُوب].

وهي إحدى قرينة الشيخ الخديم – رضي الله عنه- ووالدة شقيق المترجم له الشيخ محمد المصطفى امباكي صاحب المفاخر و الداهية نجل أعجوبة عصره وفريد دهره الذي ذاع وطار صيته في أنحاء العالم مؤسس الطريقة المريدية الغراء، والشيخ أحمد المختار جينغ بن سرين مور مَجنيغ فالُوا سَمّي خليفة دار القدوس في الوقت الراهن. والسيدة آمنة لوح هذه كريمة المحتد وشريفة النَّسب فهي تنحدر من سُلالة دوحة مختار ندومبي جوب الكوكي. فقد أبصرت النور في عام 1275 هجريا المطابق لـ 1858 ميلاديا، وقد عمرت ما يقارب خمسا وثلاثين سنة. وكانت مضربة المثل في المواظبة والاجتهاد عفيفة تقية ونقية زاهدة وإرادة صادقة وخالصة، وخير دليل على ذلك إنها قد رفضت الركوب حين انتقالها إلى بيت الشيخ الخديم قائلة: ” ليس من دأب النساء الركوب أمام الرجال ” !. وهكذا كانت نبراسا ومصباحا منيرا وقدوة حسنة للأجيال اللاحقة.

وذات يوم ليلة التاسع عشر من رمضان يسَش 1310 ه‍  1892‍ م ، كما حكى العالم العلامة الشيخ حمزة جخت خَال الخليفة الثالث للخديم - رضي الله عنه- أن الشيخ الأكبر -رضي الله عنه- ذهبَ كدَيدنه إلى مَسجده فِي القرية( طوبى) لصَلاة المغرب فانقفل راجعًا، ثم جمع أهل بيته خطيبًا :" إن ربّي يُريدُ قبضَ روحي، ولكن يُمكن أن تكون إحداكنّ فِدائي" فقالت السيّدة آمنة إنّي فداءك. فقال الشيخ: بخ بخ. ثمّ رجع إلى مُصلاه وبينما هو في صلاته لدغت هذه السيدة حية، فتوفيت عَلى أثره قبل رجُوع الشيخ إلى بيته من هَذه المُعاهدة التي عَاهدتها مع الشيخ الخديمِ كما شهدتها شاهدة من أهلها وهي سُخن فاطمة جاه امباكي.

انتقلت إلى جوار ربها راضية مرضية في عام 1310 ه‍ ‍ من شهر رمضان المبارك ووريت في مقبرة طوبى المحروسة، وهي أول من دفن فيها بإذن من الشيخ الخديم رضي الله عنهما. وقد ألمحَ إلى ذلك العالم الكبير الشيخ مُوسى كه شاعر المُريدية ومُؤرخها فِي قَصائده الوُلوفلية:
مُوجَكَّ مُونجْ جِرِيْ لَيَكْ تَالاَلِ = فَنِيكِ طُوبَى مَسْتَ سُلْ كَالَالِ
مُوجَكَّ فَبْ رُوحَمْكَدِفْ هَديَهْ = جِبلْكُ بَمْبَ ندَيجَ مُويْ وليَّهْ
كُوِدْ لاَجْكُ شَيْخُ امبَكِ مَانِ = بَا عَبْدَ لاَيْ جَوْ سُخْنَسَا كَيْ وَانِ
مَوَغْلَ هَتْمَ يَايْجُ بَاغْجَ فَاتُوا = مُوتُدُّ آمنةَ لُوحْ مُو يَاتُ
جَيْسَشٍ لَفَاتُوُونْ فَطُوبىَ = شِيخْ بَمبَ رَمُّكُ مُتَبِّ طُوبَى

وقد قال الشيخ أحمد بامبا إثر ما قضت نحبها هذه الشهادة والكلمة الصائبة: ((ما بَقي لها من كتاب رسالة ابن أبي زيد القيرواني إلادرس واحد)). يالها من عمر ميمون وأعمال صالحة !!  وبالتذكير فإنَّ الشيخ هو الذي دفنه بيده الشريفة. [ينظر : " نبذة عن حياة سخن آمنة القدوة المرضية والأسوة الحسَنة " البحث الذي قام به بعض الباحثين المريدين: سرين محمد المرتضى عبد القديم، وسربن محمد البشير تيُورو، وسرين مصطفى جوب الكوكي، وسرين أحمد انجاي انغيران، بتصرف].
  • مرحلته الدّراسية لما حاز الشيخ محمد المصطفى الكريم – رضي الله عنه- سنّ التعلّم تلقى تعليمه الأولى عَلى يَدي والده الأريب الأديبِ الشيخ الخديم فِي مَدينة طوبى المحروسة مع أخيه الشيخ محمد الفاضل امباكي والشيخ عُمر امباكي غِيلُونغال في دار الرحمان المشهور حاليا بمنزل سَرين شعيب امباكي وكان يطلق عليها العامة باسم دَارُ نَارْ لأنّ الوالدَ كان يضيفُ فيها ضيوفه الوافدين من أرض الشنقيط، وكانت هنا شجرة دِمبُ وواصل تدريسهم حتى وصلُوا إلى سورة يس. وحين استعداده للسَّفر إلى باري جلُوف سَلّم إلى العالم المُقرئ سَرين اندام عبد الرحمان لوح الشيخ عمر غيلُونغال، وسافر بالمُحمدَين إلى امباكي بار، وعند مغادرته إياها عهد بهما إلى عَضده الأيمن الشيخ إبراهيم فاط امباكي – رضي الله عنه- فعهد بهما الشيخ إلى الشيخ سرين اندام عبد الرحمان لوح الذي أسكنه والد المترجم له في دار العليم الخبير ليعلّم النشء كتاب الله ومبادئ علوم الدّين ومنهُ حفظ القُرآنَ الكريم حفظا جيدا وأتقنه أيّما إتقان فِي سنّ مبكرة، ثم بدأ يتعلم العلوم الشرعية من عمه الشيخ إبراهيم فِي فترة الغيبة البَحرية 1895م، كما استفاد وتوسع في العلوم على عَمه البَحر العلامة مام مور جارة امباكي. وإلى هَاتين الشَّخصيتين الآخرتين يَرجع الفضل في تضلُّعه من العلومِ الأدبية والعلوم الشَّرعية من نقلية وعقلية: من نحو وبلاغة وأدب وعلوم الظاهر من تَوحيد وكلام فقه وأصول وتفسير وسيرة إلى جانب التصوف وعلوم الحقيقة والذوق والعرفان، وخير دليل على ذلك كثرة وصاياه وخُطبه وأشعَاره التي خلّفه للجِيل الحَاضر والمُستقبل. [الكتاب المرجع/ الشيخ مُحمد المصطفى، النموذج الأمثل، ص:(10) وما بعدها بتصرّف] ومن العَجب العُجاب فِي هذه المَرحلة أي مَرحلة تعلُّمه على الشيخ إبراهيم انتشَر مَرض وباء شَديد في السنغال سنة 1895م الذي أصابَ به وبِالشيخ محمد المُصطفى امباكي والشيخ محمد الفاضل امباكي فِي قرية (غُيْ غُرانْ) التي أسسّها عَمّهم الشيخ إبراهيم فاط امباكي وهي تقع في الموضع الذي يُوجد فيه أرضُ “أيْشاكْ سَاجُ “جنبَ “بُوفِيلْ” التي توجد فيها مَحطة سَيارات دكار الجَديدة حَاليا. وتُوفي من هذا الطاعون الشيخ محمد اليداليّ امباكي الابن البكر للخديم واسم والدته سُخن خَديجة مَريم طُوري بلَّ جختِ . ولما وصَل الخبرُ إلى أبي المحامد وهو فِي البلاد النّائية في غربته الشَّديدة، أرشدهُم قائلا:” الشيخ محمد المصطفى بيَد رسول الله، فليَفعل به الدّاء ما شاء. الشيخ محمد الفاضل بِيد الله، فليَفعل به الدّاء ما شاء. أما الشيخ محمد الأمين بيد القُرآن، فليَفعل به الدّاء ما شاء.
    [ مقتطف من محاضرة ألقاها العالم العلامة سَرين مصطفى صالح امباكي فِي سانت لويس، سنة 1989م بحضُور الخَليفة وجَم غفير من أنجال الشيخ محمد المصطفى امباكي]. ومِن هذا المَرض الشَّديد المذكور تسبّب لهُ مُشكلة فِي السَّمع والكلام كما ذكره صاحبُ تجربة القلم، وكان يتضرع إلى المولى سائلاً إياه أن يوفقه فهما واسعًا في جميع الفنون، كما نستنبط ذلك من قوله في قَصيدته”سعادة الأبرار”:
    يَا ربِّ قَد فهمتَ أهل العِلم = فهبْ لي العلمَ وكثّر فهمِي
    فافتَح عَليَّ اليوم باب العلمِ = ومن لدُنكَ ربّ قوّم فَهمي

[ يراجع بحثنا المتواضع “خُلاصة عَن حَياة الشيخ مُحمد الأمين بَار امباكي دَاهية عَصره وغوث دَهره – رضي الله عنه-“].

  • مُلازمته الشيخ محمد المصطفى لوالده الكريم وحينما رجعَ الشيخ الخديم- قدس الله سرّه- من غَيبته البحرية في حُدود 1320ه‍ 1902م التحق الشيخ محمد المصطفى بوالده إلى مُوريتانيا في الغيبة الثانية، حيث تمكن هناك من التعمّق في كثير من العلوم والمعارف من شرعية ولغوية وأدبية وعقلية. وقد لازم والده في هذه المدة فاستفاد كثيرا من تربيته الروحية وتوجيهاته الصوفية العرفانية، وهُناك سلك طريق القوم على يَد والده، فأخذ به طريق الإرادة والهمة والسلوك على منهج المجاهدة، من فَطم النفس عن ملاذ الدنيا والإعراض عن الجاه والمال والانكبابِ عَلى العمل الصَّالح وإخلاص النية في كل شيء والتحري لمقاصِد الشرع وحكمته في كل أمر، من طريق رياضة الذكر والزهد والخدمة للصالحين ولسائر المؤمنين خدمة ولاء وخدمة إيثار ….. ثم الرياضة بالتجويع، والاستخدام الكثير، والحمل على الذكر الكثير بالهيللة، والقصائد، ودوام الطهارة، والاعتزال عن الناس بإشارات من قبل المُربّي، وخُصوصا النساء. [ يراجع: الكتاب المرجع / الشيخ محمد المصطفى النموذج الأمثل، إعداد أكاديمية الشيخ محمد المصطفى، ط أ 2014 م- 1435ه‍ ص: (22) نقلا عَن الباحث أبي مدين شعيب كيبي حياة الشيخ محمد المصطفى امباكي، بتصرّف]. وجه الشيخ الخديم إلى ابنه الشيخ مُحمد المُصطفى- رضي الله عنهما- نَصيحة فِي هذه القِطعة المعنونة بـ” تمهير”:
    لاَ تنسَ نيّةً لدَى كلِّ ليادْ = فإنَّها تَجلبُ أفضلَ أيادْ
    أدمْ قيامَ اللَّيل دُون كسَلِ = و بالتِّلاوةِ فُضولاً اغسَلِ
    وفِرَّ من مَجالسِ الغفُول = إن الغفولَ مكثرُ الأفولِ
    وَدنسَ الغِيبة نقِّ بالشّكور = و ذِكر ربِّكَ المُكرِّم الشَّكور
    وانوِ لنفسِك خُيورًا و لمَنْ = رأيتَه يطلبُها كلَّ زمَـنْ
    وفِي الذِي يُرضي إلهَك ارغَبِ = و عن سِوى ما ليسَ يُرضيه ارغبِ ‏‏
    [ديوان سلك الجواهر في أخبار السرائر] ومن تربيته: ذات يوم طلب منه الشيخ الخد يم الميضأة التي أسند بها الباب، فلما رفعها الشيخ مصطفى كاد الباب ينغلق، فوضعها ليبحث عما يسند به الباب قبل أن يناوله إياها، فلما جاء سأله الشيخ: لما ذا لم ينغلق الباب إثرك؟ فقال: رفعت الميضأة فتبعني الباب (هَمَّ بالانغلاق) فوضعتها وذهبت أبحث عما أسنده به، ثم أتيت بها إليك بعد أن عثرت عليه، فقال الشيخ:
    هو هكذا … قبل أن تنقل أيَّ شيء عن موضعه، أوجد له بديلا !!
    [الكتاب المرجع/ الشيخ محمد المصطفى، النموذج الأمثل، ص: (22)] هذه قصة جرت بين الشيخ أحمد الخديم – رضي الله عنه- وابنه ومُريده الصَّادق الشيخ محمد المُصطفى – رضي الله عنهما- وكانَ مرةً مع جماعةٍ، وفيهم ابنهُ وخليفتُه الشيخ مُحمد المصطفى، وكان وقتُ الغداءِ قَد حانَ، وهم في منزل الشيخ مُحمد المصطفى، فَأرادَ الشيخُ أَن يذهبَ، فقالَ له الشيخ محمد المصطفى: رَابعةُ الطّوالِ حاضرةٌ، فقال الشّيخ الخديم- رضي الله عنه-: { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى}، وذهبَ، وَلم يفهم الحاضرون المعنى! فسألوا الشيخ محمد المُصطفى عن ذلك، فقال لهم: قلتُ له إن المائدة حاضرة، فأجابني بأنه صَائم، ولكنه لم يرد التصريح بذلك خوفا من الرياء.[من كرامات الشيخ أحمد بنبه خديم رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، للعلامة الدُّكتور الشيخ محمد بن أحمد مسكه اليعقوبي البركي الموريتاني]. وكان يُرسل إلى والده هَدايا طائلة طوال حياته لنيل مَرضاته ورضى الله الأكبر وهَذه هي آخر هداياه المصحُوبة برسالة يقول فيها:
    بسم الله الرّحمن الرّحيم والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد الرّؤوف الرّحيم هَذه الرّسالة القيّمة في أواخر ذي الحجّة عام همسش “من الشّيخ محمد المُصطفى الكريم إلى والده الشّيخ أحمد الخديم مع هدّية قدرُها ألف درهم وهي آخر هديّة تقبّلها الشّيخ فقال: بسم الله الرّحمن الرّحيم تبتُ إليك توبة عبد ظالم لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا، وقد جعلتُ في يدّ الحَامل ما فِي سُورة القدر حَامدا وشاكرا ولا أرجُو سِواك في الدّنيا والآخرة، ولا تكلني إلى أحد. والسّلام محمّد المُصطفى البكي.
    فأجابه المرجوُّ فِي الدّارين – عليهما أكبر رضوان الله تعالى الباقي القديم- بقوله:” الهديّةُ تجذبُ المُريد إلى السَّعادة. وعُلوِّ المقاماتِ، وكثرة المال، وطُولِ العُمر، ومحبّةِ النّاس إليه، وسَبقِ الأقران، وعدَم رؤية الملَكين فِي القبر، وسُرعة الجواز على الصّراطِ، ودُخول الجنّةِ بغير حِساب، وأن لا يُرى فتنةَ القبر، ويَنجُو من أكل الدُّود فِي القَبر، وغيرِ ذلك وفي الهَديّة منافعُ لا تُكتب بالأقلامِ ولا تنطقُ بالّلسان؛ لأنّ الهديّة الواحدة يُجزى صَاحبُها بإثنيْ عَشر ألفا وهو الأقلّ فيها، والأكثر من ذلك لا يعلمه إلا الله مالك الملُوك عَزّ وجلَّ “. والسّلام. مُحمّد بن محمّد بن حبيب الله. وقَد شَهد له الشيخ الخديم – رضي الله عنه- مرَّات أمام الناس بالرضا وصِدق الإرادة، وعُلو الهمة، ولكنّه لم يزل مُنشغلا بمهامهِ في التدريس والإفتاء، وتَربية المُريدين في حسن المئاب إلى أنْ أصبحَ خليفة الطريقة المُريدية فِي سنة 1927م 1346ه‍ بعد وفاة والده الكريم الشيخ الخديم – رضي الله عنهما- كما ذكره الباحث أبو مدين شعيب كيبي- حفظه الله-.
  • أوصاف الشيخ مُحمد المصطفى: كان الشيخ محمد المصطفى طويل القامة طولا غير مفرط، واسع العطن، ذا عتق طويل مفعم، وجهه شبه مستطيل، مشذب الأنف أدعج العينين، خفيف شعر اللحية، ألمى الشفتين، مستوي الأخمص، كامل الأذنين، باديَ أسارير الجبهة، ذا خطوات ثابتة، يمشي الهويني، وكان فصيحا رزينا، ذا نبرة متوسطة…[الكتاب المرجع: الشيخ محمد المصطفى، النموذج الأمثل، ص:(17)]
  • عنايتُه بأهل بيت الشيخ الخديم وعَلاقته معهم : كان الشيخ محمد المُصطفى امباكي الخليفة الأول يولي اهتماما خاصا لأهل البيت الخديمي، وخاصة لنساء الشيخ الخديم ( أمهات المريدين) ويوفر لهن احتياجاتهن، والعناية والرعاية اللازمتين. وأما إخوانه من عترة الشيخ فكان بمثابة أب وأخ لهم. يقوم بكل ما يحتاجون إليه، ويصرف عليهم أمواله الطائلة ويتفقد أمورهم ويقدمه في كل أمر، رغبة في مرضاة الشيخ ، انظر- أيها القارئ الحصيف- إلى قول أخته السيدة ميمونة الصغرى بنت الشيخ الأكبر -رضي الله عنهما-: (( إنني لم أكن أعرف معرفة جيدة أن الشيخ محمد المصطفى هو أخونا لشدة تواضعه، حتى أنه كان يعطينا ثوبه بعد الطعام لننظف به أيدينا)) فياله من تواضع نادر ولكن لا غرو، إنه قد اقتدى بسميه النبي المجتبى قولا وفعلا الذي خاطبه الله تعالى بهذه الآية: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين)) سورة الشعراء والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا. [راجع الكتاب المرجع/ الشيخ محمد المصطفى، النموذج الأمثل ص: (42) إعداد: أكاديمية الشيخ محمد المصطفى امباكي لدراسة التراث المريدي… بتصرف قليل ]
  • علاقته مع الشيخ محمد الفاضل امباكي قال الشيخ محمد الفاضل امباكي القرم نجل القرم – رضي الله عنه- بمناسبة زيارته للشيخ محمد المصطفى امباكي – طيب الله ثراه- سنة: 1939م في مسكنه طائف برفقة ثلة من أماجد العلماء وفطاحلهم، وقد التمس منه الشيخ الخليفة أن يختار له اسما لمسكنه الجديد، فَقال الفصيحُ الحصيفُ والعارف بالله مرتجلا و مسميا تلك البقعة المباركة بطائف (من البحر الكامل) :

يَا طائفا يخشَى نوائبَ دَهره = لُذ بالخليفةِ مُصطفى في طائفِ
مأوَى الأرامِل والعفَاة جَميعهم = ما بين راجٍ منهُم أو خائِفِ

  كتب الشيخ محمد المصطفى امباكي هذه الأبيات من بحر الطويل إلى أخيه في الله وفي القرابة الشيخ محمد الفاضل امباكي وهو يستعير منه كتاب [مختصر الشيخ خليل]: 

فمنِّي سلامٌ طيّب يُخجل العِطرا = خليلاً حبيبًا بارعًا يُخجل البَدرا
وموجبُه أنِّي ليَ الآنَ حاجَةٌ = بنصٍّ خليلٍ كائِن عندَه ظُهرا
أعرنيهِ أنظُر فيهِ شَيئا إنِ اَمكنتْ = قليلاً وإلا فالتَّراضِي مع البُشرى

فأجابه الشيخ محمد الفاضل بالأبيات التالية من نفس البحر :
أردُّ سَلاما كاملا يَزدري البَدرا = إلَى القرم نَجل القَرم أكرِم به بَحرَا !
جوابُكُم هَاك الذي رُمته هُنا = بلا كُلفة منَّا وَلا منكمُ، دَهرا
فعنِّي جَزاك الله خَير جَزائهِ = أيا مُصطفى من فَاق حُسنا كذَا قَدْرا

[نقلا عن كتاب” المجمُوعة المباركة التي تشتَمل عَلى وصايا نافعة وأدعية مأثورة لصِنو والدهِ وخليفته الشيخ محمد المصطفى البكيّ – نفعنا الله ببركاته-“، ص: (47) وما بعدها، التي جمعت بإذن من ابنه البر وخليفته المشهور بـ سرين امباكي مَدينة وكتبه أحمد بَشير صلّه بن سرين صلَّه طوبى دار القُدوس، راجعه وصحّحه الشيخ حبيب البكيُّ، والكتاب المرجع/ الشيخ محمد المصطفى، النموذج الأمثل، إعداد: أكاديمية الشيخ محمد المصطفى امباكي لدراسة التراث المريدي، مطبعة دار المعارف الجديدة، الرباط، سنة الطبع 1435ه‍ 2014 م].

  • علاقتُه مع الشيخ محمد الأمين بار امبكي كان الشيخ محمد الأمين بار امباكي طوع أبيه طيلة حَياته لا يخالفُ أوامره ظاهرة وبَاطنة، بل يعكفُ على امتثال أوامرِه لا يكادُ يفارقه كثيرا إلى أن قضى نَحبه 1927م 1346ه‍، فَشمَّر عَن سَاعد الجدّ والاجتهاد وافقًا وَراء شَقيقه الشيخ مُحمد المُصطفى الذي جمعت بَينهما أواصِر القَرابة ووَشائج الأخوة والصَّداقة مُذعنا لأوامِره وسندًا له فِي خلافته، وكان لا ينتَعلُ ولا يلبسُ قلنسوة في مَحضره إجلالا واحترامًا له، ومما يدل عَلى علاقة الشيخ محمد المصطفى امباكي مع أخيه الشقيق الشيخ محمد الأمين بار امباكي أنه زار ذات يَوم عمل السكة الحَديدية لما وصلَ العاملُون فِي الكيلومتر 20 فِي اندُولُو، وحين أشرف علَى الجَماعة اشتكى الناس إليه خَوفا ينتابهُم، فحفظهم ببيتين، وأكد أنَّهم إذا واظبُوا على قراءتهما فلن يمسهم ضرٌّ إلا سلاما، وهذا البيتان هما:
    فلِي استرنْ بستركَ الجميلِ = يَا ربّنا يا واهبَ الجَميلِ
    فِي ظاهر وَباطنٍ يا باقِي = يا ربنا يا واهبَ السُّبَّاقِ
    [الكتاب المرجع/ الشيخ محمد المصطفى، النموذج الأمثل، إعداد: أكاديمية الشيخ محمد المصطفى امباكي لدراسة التراث المريدي، مطبعة دار المعارف الجديدة، الرباط، سنة الطبع 1435ه‍ 2014م، ص:(35)].

مسؤوليات الشيخ محمد المصطفى في حياة والده:

 وفي عام 1330 هـ/ 1912 م انتقل الشيخ الخديم - عليه أكبر رضوان الله الباقي القديم- إلى جوربل من جيين جلُفْ Théyène Diolof مع الأسرة. ولما مضى عليه عام تقريبا، وأسس البقعة المباركة، بعث الشيخ محمد المصطفى إلى طوبى ليقيم قرب المنزل الكبير، وأذن للشيخ إبراهيم فاطِ في ترميم هذا المنزل وحائطه من خارصين (الزنك) وتقليب التربة بجعل ظاهرها باطنا. 

وصاحب الشيخُ محمد المصطفى الشيخَ عيسى جِنّ فرمّما الآبار وفطرا عين الرضى، ورمّما عين الرحمة ، وأنشآ دارا للتربية في " كُيْ تِخِهْ " Gouy Tékhé وعيّنا لها قوّادا، وهم: الشيخ محمد سِلّه انياخين Mouhamadou Sylla Niakhène، الشيخ سليمان غِيْ، الشيخ إبرَاهيم جوفْ، الشيخ امبَيْ كَه، الشيخ إبراهيم طُر، شيخ يابَ جوب، الشيخ علي سِلّه غِيْ.

وفي عام 1915م أذن لهم الشيخ في بناء مخازن غلال فذهب إلى حسن المئاب (تندودي) Tindodi وبعث إليها الشيح محمد سِلّه انياخين قائدا، والشيخ مد مختار انجاي كر Modou Makhtar ndiaye Nguri، وسرين مد فال پاتارْ، ثم أتى بعد ذلك بسرين عثمان صمب، وزيدت الدور إلى أن بلغت عشر دور للتربية. وكل ناتج من هذه الخدمة الزراعية كان يهديه إلى الشيخ الخديم مع ما ينسخ بيده من المصاحف القرآنية. وقد ذكر السيد شيخ فالْ تِيرِ أنَّ الشيخَ أكَّد له أنه نسخ للشيخ الخديم اثنَيْن وأربعين (42) مصحفا.

  وفي عام 133هـ/ 1918م حفر بئرا في موقع سوق عكاز، وقدر الله أن البئر لم يكن غزيرا ماؤها، ولكن جميع المنازل الكبيرة كانت تنوب عنها في البئر رجالا حتى إذا اشتد حر الشمس استظل هؤلاء النواب تحت الباوباب BAOBAB. ولما أعطاه الشيخ دعاء نثره في محال التجارة هناك. وحين تولى الشيخ محمد الفاضل الخلافة جدّد هذه المحل وسماها سوق عكاز ليعقد أسبوعيا كل جمعة، والنواب الذين كانوا يجلسون في البئر هم السادة الآتية أسماؤهم : 
  • مختار سيس نائب السيدة فاطمة جوب قرينة الشيخ محمد المصطفى
  • مجوبْ اندِِيرْ نائب السيدة آمنة لوح قرينة الشيخ محمد المصطفى
  • بابكر لوح نائب السيدة قر لوح
  • مَمّرْ انجاي نائب الشيخ محمد الفاضل
  • الحسن غِيْ نائب الشيخ مود حَوَ سِيسِ في سُرّ من رآى. وقد أفسدت هذه البئرَ ضفدعةٌ زحفت من الحَوض حتى وقعت فيها وغيَّرت رائحتها، فهَجرها الناس. وأول من فتحوا هناك دكاكين هم السادة: سرين جنغ Serigne Dieng – شيخ فال انغيك Cheikh Fall Nguick – منجوكو جوب Mandiogou Diop – غونج عبد الله فال Ngounia Fall – امبي جنغ Mbaye Dieng – حسين حيدرة. وفي عام 1339 هـ/ 1920م قام الشيخ محمد المُصطفى بإفراز حسن المئاب وصيّرها مدينة، وبنى هناك قصرا و مدرسة للقرآن الكريم، عهد برئاستها إلى العالم مختار آل لوح، وأتى بالسادة إليها، وهم: الشيخان أحمد امباكي وسرين امباكي مدينة، والشيخ عبد الكريم بن الشيخ محمد الفاضل امباكي، والشيخان: مود بار وعبد العزيز ابنا الشيخ محمد الأمين امباكي، والشيخ عبد السلام ابنه، والشيخ مود امباكي بن الشيخ عمر امباكي كلوكل، والشيخ مود مَيْ بن الشيخ مصمب امباكي، والشيخان مصطفى جوب انجِكّ بن الشيخ مورْ جوبْ، وسرين بَيْدِ به بن شيخ به انجوكو مالك بن القاضي بَرانْ اتيامْ . ونقل الشيخ محمد مختار جنغ كُيارْ إليه للتعليم الديني. وسافر إلى طوبى كَيِلْ في عام 1339- 1340 هـ/ 1921م ونقل إليها سرين محمد سِلّه انياخينْ، ثم نقله منها في السنة التالية 1340- 1341 هـ/ 1922م إلى طوبى انياخِين التي كانت أراضي زِراعيّة مهداة إليه من قبل الشيخ سيدي المختار (مام شيخ أنتَ). وفي تلك الأزمنة أسس قرية نيد Naydé وبُلْيِيرِي Boulyéri وجَمْوِلِّ Diam welli وخبّان. ثم دَعاه الشيخ إلى جُوربل حيث ابتنى له دارا في الجنوب من المنزل الكبير، وقرَّبَه إليه لينظر في الأكثر من شؤونه (علاقاته) بينه وبين المستعمر، وبينه وبين المريدين. وبعثه كذلك إلى اندر لاستقبال الشيخ سيديَ بابَه، الذي أنشد في شأنه أبياتا بَديعة وهي هذه :
    أهلاً بوفدٍ جَاء مِن انجارِم = وكرامةً لقُدومِه مِن خادمِ
    حبّ تقادم عَهدُنا بلقائِه = حكمَ القضَاء على هوى متقادمِ
    أبقى لكُم مَنْ قبلَكم مِن وُدّنا = قسما يخصُّكم بغير مزاحمِ
    شَيخ إذا استبق الأكارم غاية = أربَى عَلى كعبٍ هُناك وحاتمٍِ
    والمُصطفَى إن شَابهت أفعالُهُ = أفعالَ والدِه فليس بظالمِ

وأجابه الشيخ محمد المصطفى بهذه الدُّرر اليتيمة قائلا :
وقلادة قُلِّدْتُها مَا رصّعَت = خرزاتِ ناظمِها قَريحةُ ناظمِ
قُلِّدْتُها دُون الأنام كرَامة = وغدوتُ أَرْفُل في ثيابِ مكارمِ
ما كنتُ أحجُوا أن يُنال من المُنى = ما نِلْتُه فِي غَير حُلم النائمِ
ممّن به حَلّ الإله طريقةَ الـ = هادي المُقفّى مِن سُلالة هاشمِ
شَيخٌ به المَولى قد أنقَذ خلقَه = من موج بَحر ضَلاله المُتلاطمِ

وفي 1340-1341 هـ/ 1922م صاحب الشيخ إلى دكار، فنزل الشيخ في كيس Thies في مكانٍ اشتراه الشيخ مصطفى بعد ذلك، وهو منزل ابنته السيدة بنتُ امباكي حاليا. ولما وصلا دكار آويا إلى منزل جان اتيام Jean Thiam وكان الخديم- عليه أكبر رضوان الله الباقي القديم -يذهب في الضحوات إلى الجهة المقابلة للمنزل يتنفّل ويقرأ القرآن. وذلك هو الدافع إلى شراء الشيخ محمد المصطفى ذلك المكان بإشارة من الشيخ (منزل الشيخ محمد المصطفى credit foncier).

كما بعثه الشيخ بمائة ألف درهم ( 000 500 ) مُساعدة طلبتها منه الدولة التي كانت في ضائقة مالية كادت تؤدي بها إلى تعويم العملة في مجموعة إفريقية الغربية. وكثيرا ما كان يندبه لقضاء حوائجه لفطانته وعزمه. [ الكتاب المرجع/ الشيخ محمد المصطفى، النموذج الأمثل، ط أ 2014 م- 1435ه‍ ، ص: (19) وما بعدها ]

  • من إنجازاتهِ كان من أهم انجازاته نقل جُثمان الشيخ الخديم الطاهر إلى مدينة طوبى المحروسة في ظروف صَعبة: كان يوم السبت سادس عشر من الشهر المحرم عام ومسش 1346 هـ/ 1927م بعد صلاة العصر فقال الشيخ الخديم: كم هذا اليوم من الشهر؟ فقالوا ستة عشر، فقال عليكم بالسكون وتسكين عيالكم وقلة الدوران والغيبات إلا فيما لا بدَّ منه إلى يوم المولد وإلى انسلاخ شهر المولد، ثم قال: أيها الناس أعبدوا الله ربكم الذي أطلقكم لعبادته ومن قيدوا يعني بكُفرهم أوبذنوبهم لم يعبدوه يعني أصلا أو لم يحسنوا في عبادتهم ومِن حق مَن علمكم أوامره التي توصل إلى الجنة وتفرحكم بلا ترح أبدا عَليكم أن تطيعوه وتمتثلوا حتى تفوزوا بتلك السعادة الأبدية التي لا شقاوة معها ولا بعدها أي لا بعد لها، ومن حقه إذا علمكم مناهيه التي تجر إلى النار وتخزي وتترح أبدا بلا فرح أن تقبلوا وتجتنبوا حتى تفوزوا بالنجاة الكاملة والراحة الدائمة .
    ثم قال: عليكُم بتوجيه نظركم وهمكم إلى مسألتين؛ أن تعلموا ما أمرتم به وتفعلوا وتعلموا ما نهيتم عنه وتنتهوا وشدوا أيديكم بالعمل، بمقتضاهم، سبق من سبق وفضل من فضل من الأولين والآخرين. ثم قال: واجتهدوا في الصلوات الخمس والصدقة والدعاء، ثم رجع إلى أن أتى بالمغرب فصلى ثم استقرأ بعض أصحابه [أي أحمد الأمين جوب] أول سورة البقرة فاستفتح بالتعوذ والبسملة فقرأ إلى قوله تعالى:{ أولئك هم المفلحون}، فاستوقفه فوقف فقال: هذه صفات المومنين فإنهم كالأواني المفَتحة الأفواه المسدودة الأواخر يقبل الجعل ويحفظ المجعول فيها ثم قال: زد فزاد إلى أن بلغ { ولهم عذاب عظيم}، فاستوقفه وقال هذه صِفات الكافرين فإنهم كالأوانِي المسدُودة الأفواه لايقبل الجعل ثم قال: زد فزاد إلى أن بلغ {وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون}، فاستوقفه ثم قال : هذه صفات المنافقين فإنهم كالأواني المفتوحة المثقُوبة الأواخر يقبل الجعل ولايصون ثم قال : تنبيه: قولُه: {يُؤمنُون بما أنزل إليك} يعني : القرآن وما أنزل من قبلك يعني: ما قبل القرآن إلى القرآن، والحكمة في ذكره هنا النهي عن التعصب كما وقع لليهود والنصارى ثم تحوّل ولم يعد حتى صلى العِشاء الآخرة ثم رجع للفجر وصلى. هَذه آخر صلاته بالناس [2]. وحينما قضى الله سُبحانه وتعالى انتقال الشيخ الخد يم إلى جواره كان الشيخ محمد المصطفى قَد أصبح من قرية انجاغيين (Niakhene) إلى جوربل مارّا بغاوان (Gawaane) دار الشيح سيدي المختار ( مام شيخ أنتَ ) ووصلها في وقت الزوال، وطفق الشيخ سيدي المختار في أهبة الضيافة، ولكن الشيخ محمد المصطفى ودَّعه على عجل لسِرّ لَدُنيّ، ثمّ وصل البقعة المباركة ( جوربل ) قبل العَصر. وهَذا قد أدى إلى سوء تفاهم بينهما فيما بعد رغم أن الكلّ لم يكن على بينة من حال الشيخ إلا من له حظ من الكشفِ، حتى أنا (الراوي وهو خادم المقصورة آنذاك) وقضى الشيخ محمد المصطفى بقية النهار في داره (الواقعة شمال شرقي دار الشيخ الكبير) فأتاه هُناك الشيخ محمد الأمين جوب الدغاني، وقال له: إننا لم نر الشيخ منذ أيام، وقد استفسرتُ عنه شيخ فاط تاكو فقال لي (الراوي وهو شيخ فاط تاكّو نفسه): قد رأيتُه في هذه المقصورة لآخر مرّة صباح الاثنين. لم ينادني الشيخ محمد المصطفى لأنه لا ينبغي أن يرفع الشيخ الكبير صَوته بالنداء دون أن ألبي دعوته، لكوني حينئذ في الخدمة. وبعد مغيب الشفق انسحبَ الشيخ محمد المصطفى برفقة سرين عبد الله جوب لونه Serigne Abdou lahi Diop Léwna والشيخ خر جنغ Serigne Cheikh Khary Dieng وسرين مختار صِلّه والشيخ محمد الأمين جوب الدغاني، فأتى الخمسة ومرّوا بالشيخ فالْ قد طَاب Cheikh Fall Khattaba وزُملائه على الباب وسألوا عني فأشاروا لهم إلى مكاني، ثم أتى الشيخ محمد المصطفى إلي وسَألني: أين الشيخ ؟ فصاحبتهم إلى باب المقصُورة وقلت لهم: من هذا الباب دخل. وبرهاني على دخُوله هنا الاثنيْن، أنَّ [السيد] ابن عمار كان قد ذهب إلى البئر للورود في نفس اليوم، وقبل رجوعه من البئر مارّا بدارَجِ [مقصورة الخدّام] سار الشيخ على أثره فطمس بعض آثار قدمه [أي ابن عمار] داخلا المقصورة، فتيقنت من أنه رضي الله تعالى عنه دخل هناك يوم الاثنين. ولم يقع بصر [السيّد] ابن عمار عليه في ذلك اليوم بعد رجوعه. وكنت أظن الباب مغلقا، ولو لا ذلك لأتيته بالطعام في أوقات تواجده هناك. ثم بسطت حصيرا يعترض الباب ليوقظني بخروجه. وبتُّ هناك الليلة بأكملها ولم يتحرك ساكن [3]. فلما كان وقت الغروب أتى واحد من البوابين يُقال له المختار وكان هو الذي يتولى وقود المصباح له فأوقد له المصباح ليلة الاثنين ومكث قريبا منه قليلا وأمره الشيخ الخَديم – رضي الله عنه- بالرجوع وذلك آخر ما خاطب به أحدا، فلما كان وقت الصبح أتى الخادم المذكور تلك الدار التي ترك الشيخ رضي الله عنه فيها فوجده قد خرج منها ودخل دارا غيرها وكان ذلك يوم الاثنين الثامن عشر من الشهر المذكور، فالناس يقولون إن ذلك الخادم علم حقيقة الأمر ولم يتجاسر على إفشائه، فرجع ولم يخبر أحدا بما علم فلما كان يوم الثلاثاء أتى الخادم المذكور تلك الدار على عادته فوقف كثيرا متحيّرا هل يسمع حركة أو يرى شيئا حتى دخل وقت العصر فذهبَ إلى المصطفى وقال له ما قال فقال المصطفى: سنذهب إليه لكي نعرف خبره فرجع المختار إلى دَار الشيخ ولقي هناك الأمين بن محمد الدغاني فسأله عن أمر الشيخ – رضي الله عنه- فأخبره بما جرى عليه وما عنده من خبره لكنني أعرف مَكانه الذي هو فيه ولكنني لا أقدر الوصول إليه إنني أعلم منه ما لا تعلمون فتحيّّر الأمين من كلامه هذا وتفكر هل كان الشيخ في بعض خلواته كما هو عادته أو غير ذلك، فقال له الأمين: ارجع إلى المصطفى وكادت الشمس تغرب، فلما أتاه خرج معه مُسرعا وقال له: قل لي ما عندك من الرأي في خبر الشيخ -رضي الله عنه- وأين هو؟ فقال له المختار: أنا أعرف المكان الذي هو فيه ولكن خفت أن يُعاقبني الله على إطلاعي على مكانه الذي هو فيه ولساني لا يقدر عَلى نطقه، فقال المصطفى للأمين: ما عندك من الرأي في هذا، فقال الأمين: الرأي عند المختار فقال لهما المصطفى: [لا تخافا إنني معكما] فلنمض إلى المكان وتوافقا على رؤيته جميعا فامتثلا أمره، وتقدم المختار وبيده المصباح فلما وصلا إلى باب البيت رأى المختار حضرة الشيخ -رضي الله عنه- ففرّ مع المصباح منه إلى وراء الباب والمصطفى عند باب الدار ينتظرهما وباب البيت مفتوح والشيخ -رضي الله عنه- في البيت ورجلاه على الباب، مضطجعا بين سَجادتين مملوءتين كتبا، إحداهما أمامه، والأخرى وراءه كأنه خاطبَ نفسه بقول ربه تعالى: { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضية مرضية}[سورة الفجر، الآية:28 ]، وفي ذلك اليوم الاثنين عند الزوال اشتَد الريح وكثر المطر وكان من قضاء الله وقدره. اتفقت جَماعة على أن ذلك دليل عَلى رجوعه إلى ربه- رضي الله عنه-، فلما رأيا حضرة الشيخ وفرا إلى وراء البيت، سعلا وتنحنحا، فلم يريا ولم يسمعا شيئا، فقال الأمين: السلام عليك يا خديم رسول الله – صلى الله عليه وسلم ورضي عنه-، فلم يرد عليه فقال الأمين للمختار: هَاتِ المصباح، فامتنعَ من مناولته فقال له إن أدخلت يدك داخل الباب لمست شيئا منه، فأدخل الأمينُ يده فوقعت على قدميه – رضي الله عنه- فمسحهما، وقال: السلام عليكم أيها الشيخ ورحمة الله وبركاته، فلم يجبه فرجع هو والمختار إلى باب الدار وأخبرا المصطفى بما فعلا، فأقبل الخليفة نحو البابِ، فلما وصَل قال للمختار: ناولني المصباح؛ لأن البيت قد أظلم فناوله إياه، ولم يقدر أن يخالفه فلما رأى الخَليفة حضرة الغوث- رضي الله عنه- بدأ بقدميه ومسحهما، ثم سائر جَسده حتى بلغ صدره، ثم قام وهلل وحوقل، والتفت إلى صاحبيه وأمر الأمين بملازمة حضرة الغوث – رضي الله عنه- وقال له: مكانك حتى آتيك وأمر المختار بأن يدعوَ له المؤذِّنَ محمدا، وقال لهما: إني ذاهب إلى حضرة السُّلطان القائم بهذه الأرض ومتولي أمورها، أشاورُه في الأمر، وإن أتَى المؤذن محمد فاجتهدا معه في التجهيز قبل أن آتيكم، فوجدوه في غَاية التنظيف، فزادوا في تنظيفه، وغسلُوه وكفنوه في خمسة أثواب وعمامة وإزار. وجميع ذالك فِي البيت الذي قُبض فيه. ثم ذهبَ الخليفة ومحمد حبيب الله[سرين بَلَّ اتيورُو] إلى دار الأمير فأعلماه بما جَرى فخرج معهما في الساعة، وكان ذلك الوقت بعد العشاء الأخير، فسَارا معه مُسرعين إلى حضرة الغوث فلما وصَلوا الباب الغربي نَزل هناك الأمير، ومضى الخليفة إلى البابِ الشرقي ودخل منه، فأمر المختار بالذهاب إلى الباب الغربي ليفتحه لكي يدخل الأمير على حَضرة الغوث، فلما دخل وعلم حقيقة الخبر أمر المُصطفى وعمَّه بدفنه في أيِّ محل أرادا، وقال لهما سيخبر أمير انَدر بشأنه ثم قال لهما، لكن الصَّواب عندي أن تتركاه إلى الصباح، فامتنع المُصطفى من ذلك، وقال له: إن ذلك إذا فعل أدى إلى فساد كبير وكثرة تحرك، فلا يمكن أن ننتظر به الصبح فوافقه الأمير علَى ما أراد، فخرجَ الأمير ومعه المُصطفى ووقفوا عند الباب الغربي ثم رجعَ الأمير بعد ذلك إلى محله وأمر الخليفةُ المختارَ بأن يدعُو له البشير فلما أتى أمره بإحضار سفينة [سيارة] عند الباب الشرقي وأخذوا كيسا وبسَطوا فيه ووضعُوه فوق السرير ثم أمروا خادم المركب [السائق] بالقرب من الباب الشرقي، وأن لا يوقَد المصباح. وكان ذلك الوقت قد مضى ثلثان من الليل ثم خرج المختار ورأى بعض الصبيان عند السفينة، فخاف من أن ينذروا أحدا، فقال لهم إن الباب الغربي عنده بعض الأمتعة يريدون من ينقله، فذهبوا إلى الباب الغربي ولم يبق عند السَّفينة أحد سوى خادم السفينة والجماعة التي تذهب بهم فأدخلوا الكيس وسَط السفينة بسرعة فركب البشير في المُقدَّم، والأمين عن اليمين والمختار عن الشمال والمؤذن من الوراء، فأمروا القائد بإسراع السفينة وأن لا يوقد المصباح إلا بعد الخروج من القرية، فلما خرج من القَرية أوقد المصباح وأسرع السير ولم يقف ولم يعرج على شيء حتى وصل طوبى التي طيبها الله. وكان من قضاء الله وتوفيقه أنهم ما عَاقهم في الطريق عائق ولا التقوا مع أحد، فلما بلغوا طوبى لم يدخلوا من الأبواب المعهودة لئلا يعلم أحد، فتسوروا الحائط وصنعوا بابا وأخذوا الكيس وأدخلوه فيه.[4] [ ولما] وصلوا إلى قرية طوبى التي بناها عام وسش 1306هـ/ 1888 م بعد ولادة ابنه مُصطفى بشهور، أرسل عَبد الله بن إبراهيم جوب الكنتي إلى الشيخ إبراهيم في دار المعطي شمال طوبى بينها وبين طوبى سبع وعشرون ميلا ثم الككي المذكور إلى الشيخ امباكي بوصو في قصره كِدِ Guédé شرقي شمال طوبى بمرأى منها ثم إلى السيد الفاضل ابن الشيخ في اندند Ndindi شرقي يمين طوبى بينهما نحو أربعة أميال ثم إلى الشيخ عبد الرحمن لوح في قصره دار العليم الخبير اندام غربي يَمين طوبى على نحو أربعة أميال، ثم إلى الشيخ أحمد اندمب البكي، ثم إلى الشيخ محمد الأمين غايْ وابن عمه بار غايْ في قصره طوبى نفسه فحضر الجميع في أقرب مدة على بعد بعض المواضع، سبحان من يسخر ما يشاء لمن يشاء. [5]
    ” فلما حَضروا تشاوروا مع الباقين المتقدمين في موضع الدفن فقال قائل منهُم: إني كثيرا ما أسمع الغوث – رضي الله عنه- يذكر هاتين الشجرتين بخير ويثني عليهما فاتفقوا على الدَّفن بينهما وذلك هو محل مِحرابه الذي صَلى فيه صلاة عيد الأضحى عام جيسش وذلك قبل مَسيره إلى الغيبة البَحرية فسارعوا في الحفر هناك في وسط المحراب.[6]، ثم شَرعوا في الحفر. أول من حَفر فيها عبد الله جوب المذكور فأعقبه محمود جخت وإبراهيم اندو وهما من أقدم المُريدين للشيخ، وصحباه قبل الغيبة بكثير. وصلى عليه الشيخ امباكي بوصو المذكور ونزل هو أي المصلي ونزل معه محمد الأمين غايْ وناوله إياهما الغاسلان ونزل معهم ثالثا التندغي ففرشوا قطيفة ثم أخرجُوها بعد ووسدوه وأحكموا سدَّ الحفر بألواح من الحديد والخشب والفرش حتى انسدَّ عن الماء على رقبته ثم ذروا عليه التراب، فما فرغنا حتى انصَدع الفجر فأذن التندغي فصلَّى بنا الشيخ امباكي بوصو المذكور، ثم رجعنا لتسنيمه والضريح تحت الشجرة التي انتخبها منزلا أول نزوله لبنآء القصر[7]. وكان الشيخ إبر فاط عِند نزوله أرسل إلى السيد الفاضل فأتى مسرعا فتقدم الشيخ امباكي بُوصو للصلاة فلما سلم لم يزالوا في الأمر حتى وضعوه في روضته -رضي الله عنه- وجعل أعلى عليين مأواه بعد ما اشتغل الأمينان ومن معهما في الحفر حتى فرغوا منه وواروه التراب بعد ما أداروا به آلات تقيه من ماء السماء ولم يشعر بهم أحَد من أهل البلد فلما فرغوا من ذلك كله أمر الشيخ إبراهيم الخدام أن ينقلوا مربعا متوسطا ويجعلوه عَلى الروضة المعظمة.
    فلما فرغوا من نصب ذلك المربع طلع الفجر فأذن المؤذن لصَلاة الصبح فصلى الشيخ إبر بالناس إماما فلما فرغ منها التفت على الناس ووعظهم وكانت تلك الليلة ليلة الأربعاء العشرين من المحرم عام ومسش ثم وادع أهل طُوبى ورجع إلى انجاريم مع القادمين منه ولم يشعر أحد من أهل القرية بشيء من الخبر إلا بعد ما أحاطت الجُيوش بالحضرة المكرمة، فلما رأى أهل الحَضرة ذلك من إدارة الجيوش علموا أن هذا ما حدث إلا لأمر عظيم، فكثر فيهم القيل والقال وارتفعتِ الأصوات فلما نزل الشيخ إبراهيم فاط بدار الحَضرة الغوث -رضي الله عنه – أرسل إلى نسائه وأعلمهن بحقيقة الخبر فشرعن في البكاء فتحقق جميع أهل المدينة الخبر بسبب بكائهن، فلا تسأل عن أحوال الناس بعد ذلك لما فاجأهم ولو تذكروا قوله تعالى: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن ماتَ إلخ} [آل عمران، الآية: 144] وقوله تعالى: { إنك ميت وإنهم ميتون} [سورة الزمر، الآية: 30] وغير ذلك من الآيات المصرحة بفناء الدنيا وما فيها وبموت جميع الخلق لهان عليهم ما فيه ولو تذكروا قول الشيخ الغوث – رضي الله عنه-: ” هاجرت من الخلائق إلى الخلاق” لتحققوا أنه نعى إليهم نفسه وما يعقلها إلا العالمون. [8] [ الكتاب المرجع/ الشيخ محمد المُصطفى، النموذج الأمثل، ص: (23) وما بعدها] ويقول الباحث أبو مدين شعيب كيبي:" ومن أهم ما قام به الخليفة الأعظم من إنجازات في فترة خلافته هو العملُ على وحدة الصف المريدي، فأقام حُكمه على قواعد من النَّصيحة ومبدأ الشورى بدلا من الاستبداد في الرأي والحُكم وتوحيد الكلمة، فاستوزر أخويه الكبيرين السَّيد الفاضل والسيد البشير، والسيد المختار بنت لوح ابن الشيخ إبراهيم الجومري كالمُستشارين وغَيرهم، ولهذا كان يقول: (( إني لا أقول بعصمتِي عن الخَطأ فِي شئون الخلافة، ولكنني إذا أخطأتُ في أمر، فإذا هو بمثابة غلطة الجماعة، حيث أني لا أدخُل فِي أمر إلاَّ بعد مُشاورة عدد من أولي البَصائر والعلم، ولو لا قَرابتي بالشيخ ما كان أحدٌ منهم ليتعلّق بي أو يُتابعني فِي أمر )). هكذا كان رأيه في الحُكم والإدارة. وبهذا استطاع أن يُوحّد كلمة المُريدين على السَّمع والطاعة فِي المكره والمَنشط كما أراد الشيخ الخديم الذي يقول في قصيدته المقيدة بـ" وما كان الله ليضيع إيمانكم": يَا ربِّ اجعَل المُريدينَ معَا = فِي حِصنكَ الحَصِين والشَّملَ اجمعَا ومن إنجازاته أيضا السَّهر على تربية وتثقيف إخوانه الصِّغار الذين ترك له الشّيخ الخديم – رضي الله عنه- مهمة رعايتهم، فلم يدخر وسعا ولم يبق جُهدا في تربيتهم وتعليمهم، وبعد أن أكملوا دراساتهم الشرعية أعطاهم الإذن بالتوجُّه إلى منطقة معينة من البلاد والاستقرار فيه ونشر الدَّعوة هُناك. وهكذا تمّ إنشاء قرى جَديدة كمَراكز للتربية والعمل والانتاج الزراعي كما هو حال المُريدية في كل تاريخها.
  • مُواصَلة السَّير على منهاج والده الكريم فِي الدّعوة إلى سَبيل الله تعالى بالحِكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وسُلوك طريق الجهاد بالعلوم وبالتقوى كما رسَمه الوالد العظيم. فاستطاع بذلك أن يُخفف من عَداوة الاستعمار للمريدية، بَل بالأحرى على كسب المستعمرين إلى جانب قضاياه. حيث رأوا فيه زَعيما وطنيا يعملُ على تنمية البلاد ماديا ومعنويا، وبالأخص في ميادين الزراعة والتنمية الريفية.
  • تنفيذ المَشاريع التي كان الشيخ الخَديم – رضي الله عنه- ينوي إقامتها فِي طوبى المحروسة، منها: المَدرسة التي أشار إليها الشيخ بقوله:
    بِالمُصطفَى لِي بنَى القُدوسُ مَدرسَة = بها يَزُول الأذَى والجَهلُ والكَبدُ فقد استدعَى لهَذا الغرض العلامة الشيخ حبيب الله امباكي [9]المعروف بسعة المعارف وكثرة الاطلاع والتقوى، واستوطنه في طوبى وقام بكلِّ مُستلزماته المادية ليسهر على تنفيذ المهمة، فأجمَع كلّ أبناء الشيخ الخديم – رضي الله عنه- الصِّغار الذين كانوا فِي سنِّ الدراسة ومن بينهم الشيخ عبد الأحد والشيخ صالح والشيخ شعيب وابنه الأكبر الشيخ أحمد مباكي غايندي فاطمة وغيرهم.
  • بناء المسجد الكبير في طوبى: وقد رأينا الظروف الصعبة التي كان يمر بها العالم وبالأخص السنغال إلا أنَّ ذلك لم يمنعه من المواصلة والسَّير قدما على تنفيذ إرادة الوالد، حتى ارتحل إلى دوار ربه فواصله أخُوه الشيخ محمد الفاضل.
  • إيصال السكة الحديدية إلى طوبى المحروسة وكان ذلك شرط لازم لايصال مواد البناء إلى المدينة المحروسة وكان على المريدين أن يقُوموا بكلِّ النفقات والأعمال اليدويّة لبناء هَذا الصرح التاريخي العظيم. ولا يمكن لاحد تصور مدى المعاناة التي واجهها المريدون في سَبيل ذلك، فقد تزامن ذلك كله أحداث الحرب العالمية الثانية، ثم الركود الاقتصادي الكبير، أضف الى ذلك الطاعون الكبير الذي اجتاح السنغال وما حصده من أرواح لا تعد ولا تحصى، وكذلك المجاعة التي رافقت ذلك كله. فكان واحد من هذه الأسباب يكفى لإنهاء كل المشروع، إلا أنه صمد كالصخرة في وجه العاصمة فلم يتزحزح ولم يتراجع حتى استطاع أن ينجز الكثير من هذه المشاريع قبل أن يلحقَ بوالِده الكريم.
  • تأسيسُ القرى للعبادة والتربية.

[يُنظر: حياة الشيخ محمد المصطفى امباكي، للباحث النَّاقد أبي مدين شعيب كيبي – حفظه الله- ]

  • تمسُّكة بالشَّريعَة المطهرة والحقيقة المُنوّرة: كانَ الشيخُ محمَّد المصطفى امباكي الخضم الحَصيف – قدس اللَّه روحه وطيَّب ثراه- يقُول: (( عَليكم بالشريعَة والحَقيقة، فإن الشريعة صمام الأمَان فِي الدُّنيا، والحَقيقة طوقُ النَّجاة فِي الآخرة )) وقَد أخبر العارفُ باللَّه الشيخ مُختار جوب أنه جمع كبَار تابعيه فِي أواخر حَياته وقال لهم: (( حَرضوا أتباعكم على العبادة والخدمة، ومن أبى منهم فَفارقُوه، وإلا فسَيأتي يومٌ ما يتعَسر عليكُم فِراقه تعسرا )). وكان يَحضُّ الناسَ على إقامة الصَّلوات فِي أوقاتها، وقَد أكد لأحد مُريده فِي دَور التربية، كان يعمَل في وقتَ الصَّلاة: أجِّل العملَ لحِين الفَراغ من الصَّلاة، فإنَّ المزرعةَ أمري والصَّلاة أمرُ ربِّنا، ونَحن فيه سَواء. [ انظر: الكتَاب المرجِع الشيخُ محمد المُصطفى النَّموذج الأمثل – قِراءة في سِيرته العَطرة- الصفحة 18 إعداد: أكاديمية الشَّيخ محمد المُصطفى امبَاكي لدِارسة التراث المُريدي]
  • شَهاداتُ عُلماء عَصره عليهِ

قال الشاعر:
فَحلَّ فِي دَار أبيهِ المُرتضَى = وما ارتضَى غَيرَ الذي كانَ ارتضَى
قفَاهُ قولاً مُرتضَى وفِعلا = كأن وَضعتَ فَوقَ نعلٍ نَعلا
أسخَى البَرايَا كلِّها فتَاها = فعَصرُه به ازدهَى وَتاها
[ ينظر:” نزهة النديم في ما حوى السيد الفاضل خليفة الشيخ الخديم”، للشاعر الشيخ محمد عبد الله بن عبيد الرحمن، ص: (15-16)]

وقال الشيخ إبراهيم جوب المشعريُّ في مدح الشيخ محمد المصطفى بن الشيخ الخديم- رضي الله عنهم-:[الطويل]
لَقَدْ كَادَ رَوْضُ الدِّينِ أَنْ يَتَهَشَّمَا = وَكَادَ بِنَاءُ الْمَجْدِ أَنْ يَتَهَدَّمَا
وَإِذْ غَرَبَتْ شَمْسُ الْهُدَى وَتَكَوَّرَتْ = وَلَيْلُ الْهَوَى بِالنَّاسِ أَقْبَلَ مُظْلِمَا
وَزُلْزِلَ زِلْزَالًا شَدِيدًا جَمِيعُ مَنْ = عَلَى الْأَرْضِ وَاشْتَدَّ الْجَوَى فَتَضَرَّمَا
أَتَى مُصْطَفَى بَدْرُ الْبُدُورِ مُجَدِّدًا = وَفَجْرُ الْهُدَى مِنْ جَانِبَيْهِ تَبَسَّمَا
خَدِيمُ خَدِيمِ الْمُصْطَفَى وَابْنُهُ الَّذِي = بِهِ قَرَّ عَيْنُ الْكُلِّ لَمَّا تَقَدَّمَا
سَمَا لِابْتِنَاءِ الْمَجْدِ كَهْلًا وَيَافِعًا = فَأَرْبَى وَأَزْرَى بِالَّذِي قَبْلَهُ سَمَا
فَأَكْرِمْ بِهِ مِنْ كَامِلٍ نَجْلِ كَامِلٍ = وَمِنْ عَالِمٍ قَدْ كَانَ أَعْلَى وَأَعْلَمَا
سَرَى ذِكْرُهُ فِي النَّاسِ شَرْقًا وَمَغْرِبًا = وَأَنْجَدَ لَمَّا أَنْ أَغَارَ وَأَتْهَمَا
فَمِنْهُ اسْتَعَارَ الْبَدْرُ حُسْنًا وَرِفْعَةً = وَرَوْضُ رَبِيعٍ بَهْجَةً وَتَبَسُّمَا
مَتَى تَلْقَهُ تَلْقَ الْأَكَارِمَ كُلَّهُمْ = وَصَادَفْتَ مِنْهُ لِلْمَكَارِمِ عَيْلَمَا
يَدَاهُ غَمَامَانِ اسْتَفَاضَ نَدَاهُمَا = عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَأْسِ أَخْجَلَ ضَيْغَمَا
حَوَى الشَّرَفَ الْأَسْنَى طَرِيفًا وَتَالِدًا = وَصَادَ الْعُلَا فَاحْتَازَ مَا شَاءَ مَغْنَمَا
تَعَلَّمَ أَنْوَاعَ السِّيَاسَةِ مُتْقِنًا = وَبِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ قَدْ فَاقَ مُحْكِـَـمَا
أَيَا مُصْطَفَى يَا وَارِثَ الْأَوْلِيَا مَعًا = وَيَا مَنْ لِنَصْرِ الدِّينِ قَادَ عَرَمْرَمَا
أَقَمْتَ بِنَاءَ الْمَجْدِ فَوْقَ دَعَائِمٍ = مِنَ الْجُودِ وَالْإِيثَارِ لَنْ يَتَهَدَّمَا
وَفَجَّرْتَ يَنْبُوعَ الْمَعَارِفِ وَالْهُدَى = وَأَنْشَأْتَ رَوْضًا لِلْعُلُومِ مُنَمْنَمَا
قَد اَحْيَيْتَ مَوْتَانَا وَأَبْرَأْتَ سُقْمَنَا = كَأَنَّكَ رُوحُ اللَّهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَا وَرَبَّيْتَ أَرْبَابَ السُّلُوكِ مُرَقِّيًا = وَكُنْتَ لَهُمْ لِلَّهِ نُورًا وَسُلَّمَا
فَطُوبَى لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكَ الزِّمَامَ لَمْ = يُنَازِعْ وَقَدْ أَضْحَى عَلَى الْأَمْرِ مُقْدِمَا فَقَدْ غَرَّ مَنْ لَمْ يَعْتَلِقْ بِكَ ظَنُّهُ = أَصَمَّ وَأَعْمَى عَنْ هُدَى اللَّهِ أَبْكَمَا
فَمَنْ شَكَرَ النُّعْمَى يَزُرْكَ مُعَظِّمًا = وَيَخْدُِمْكَ، إِنَّ الْحُرَّ يَشْكُرُ أَنْعُمَا
بِوَالِدِكَ الْمِفْضَالِ نَالُوا الْمُنَى مَعًا = وَلَوْلَاهُ ذِكْرُ الْكُلِّ مَا زَالَ مُبْهَمَا
إِذَا نَالَ أَقْصَى الْقَوْمِ مَا رَامَ مِنْ مُنًى = فَكَيْفَ بِأَدْنَاهُمْ إِلَيْهِ إِذَا انْتَمَى
فَمَنْ لَمْ يُعَظِّمْ فَرْعَ أَصْلٍ بِهِ جَنَى = ثِمَارَ الْمُنَى لَنْ يَشْكُرَ الدَّهْرَ مُنْعِمَا فَوَالِدُكَ الْعَالِي قَد اَكْسَبَكَ الْعُلا = إِلَى كَسْبِكَ الْعَالِي فَأَصْبَحْتَ خِضْرِمَا
فَإِنَّكَ لِلْأَحْبَابِ أَطْيَبُ جَنَّةٍ = وَلِلْحَاسِدِ الْقَالِي غَدَوْتَ جَهَنَّمَا
فَأَبْقَاكَ رَبِّي رَحْمَةً لِعِبَادِهِ = فَقَدْ كُنْتَ لِلْأَمْدَاحِ بَدْءًا وَمَخْتَمَا

[ ينظر: ” ديوان الشيخ إبراهيم جوب المشعري”، – دراسة وتحقيق : الشيخ عبد القادر امباكي شيخ ميمُونة وأبو مدين شعيب تياو (ص:17- 19)، و ” الكتاب المرجع”] .

  يقُول الشيخ مُمر سي المشهور بسرين مُور فالوا سي الملقب بـ" نبراس نجامبُور" وهو من أحفاد مام مور عبد الله سي الكبير أحد خريجي المدرسة الإبراهيمية بِدار المُعطي مادحا الشيخ محمد المصطفى امباكي الخليفة الأول للشيخ الخديم - رضي الله عنهم - وموضّحا فيها بعضَ مناقبه وفضائله، وإليكم النَّص:

بسم الله الرحمان الرحيم

قَد جَاء نَاع لنا غَيث البَريات = مُحمد المُصطفَى بَاب المَزياتِ
وهو الخَليفة فِي سِرّ وفِي علن = ما زالَ بينَ الورى ينفِي المَضراتِ
آه علَى فَقد مَن فِي الجِيل قدَّمه = ربُّ البَرية من نَال العناياتِ
شيخٌ تقيٌّ وفيُّ العَهد ذُو كرم = ما همّه غَير طاعات وخَيراتِ
طابتْ خِلافتُه شاعَت مناقبه = عليه تبكِي الأراضِي كالسَّماواتِ
شيخٌ تبحَّر فِي علم الشَّريعة مع = علمِ الحَقيقة صاحِ قَبل أوقاتِ
عليه تبكِي الليالِي والأيَام معا = كذا الغدو جَميعا بالعشياتِ
هُو الكريمُ الذي لاذ الكِرام به = بعد الخَديم الذي أبدَى الخَفياتِ
قد أظلمتْ أرضُنا مذ شَمسنا غربت = شَمس الضُّحى المُصطفى حاوي الكراماتِ
كذا بَكت طرقُ الإسلام قاطبةً = لفَقد منْ سره ينفي الشَّقاواتِ
كذا التِّجاني والدَّباغ شَاذلي = وكلهم نورُه نورُ الولاياتِ
كَذا المُلوك مَع الأحبار والكُرمآ = وكلّ ذَا نَهجه نَهج الحَقيقاتِ
أكرمْ به مِن كَريم فائق بَرر = يُولي المُريدينَ أنواعَ السَّعاداتِ
حامِي المُريدينَ والأشيَاخِ والأمرآ = بعد الحُكام وكلّ ذي شِكاياتِ
قد جدَّد الدِّين دِين المُصطفى سَندي
= تَجديدَ أجدادِه ذَوي الفيوضاتِ
يا قومُ فابكوا عَليه الدَّهر في أبد = وفَقده فِي الورَى يُبدي الفَضيحاتِ
الحِلم والجُود فِي أخلاقه أبَدا = بيُمنه مُذ بَدت تُعطي العطياتِ
تعطِي الوَفاء بلا منٍّ ولا كَدر = يَمينه كلَّ يوم بالبُشاراتِ
يَا ربِّي اغفِر له بَرد ضَريحتَه = وهبْ لمنْ زارَه تطهير آفاتِ
يَا ربِّ بَرد وأنزلْ وَبلَ مرحَمة = على ضَريحَة شَيخ ذِي المقاماتِ
بجاهِ سيِّدنا خَير الخلائقِ من = نَرجو شَفاعتَه يومَ القياماتِ

اللَّهم صلِّ على محمد وسلَّم

بقلمِ الأخ سَرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية مدرس اللغة العربية والشريعة في معهد الدروس الإسلامية
حُرر في يوم الإثنين 03 أفريل 2017م، 05 رجب الفرد 1438ه‍

الهوامش:

1- مَدينة طوبى المَحروسة دار السَّلام هما أرض الله المُختارة لمؤسّسها الشيخ الخديم -رضي الله عنه- للتربية والتعليم وإحياء السنة المطهرة، كما قال فِي” الدُّعاء الكبير”: ” اللهم إنك قُدت زمامِي إلى الأرض التي اخترتها لي، وبنيت فيها دَارين لأعبدكَ فيهما بالإيمان والإسلام والإحسَان وسميتهما دار السّلام وطوبى تبركا بهما، فاجعلهما بفضلك وبجاه وسِيلتي إليك ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ سَالمتين غَانمتين”.

2- خطبة ومسش ورقات حول انتقال الشيخ الخديم إلى جوار ربّه، لمؤلفها الشيخ محمد الأمين جوب الدغاني رضي الله عنهما.

3- رواية شيخ فاط تاكوا جوب بطلب من الشيخ عبد الله جخاتي رضي الله عنهما.
4- راجع وثيقة الشيخ محمد المصطفى نبذة مختصره عن حياة الشيخ الخديم رضي الله عنهما.

5- خطبة ومسش ورقات حول انتقال الشيخ الخديم إلى جوار ربّه، لمؤلفها الشيخ محمد الأمين جوب الدغاني رضي الله عنهما.

6- راجع وثيقة الشيخ محمد المصطفى نبذة مختصره عن حياة الشيخ الخديم رضي الله عنهما.

7- ورقات حول انتقال الشيخ الخديم إلى جوار ربّه التي كتبها الشيخ محمد الأمين جوب الدغاني رضي الله عنهما .

8- راجع وثيقة الشيخ محمد المصطفى نبذة مختصره عن حياة الشيخ الخديم رضي الله عنهما.

9- ازداد الشيخ حبيب الله امباكي العالم الرباني سنة 1325ه‍ الموافق 1907م بامباكي كجور من والدين كريمين الشيخ إبراهيم امباكي كجور والسّيدة سخن فال. تعلم القرآن الكريم ومبادئ العلوم في سن مبكرة وكان نجما متألقا في التدريس، حيث تخرج في مدرسته جموع غفيرة من أبرز العلماء العاملين.

قال الأستاذ مافال فال في كتابه ” إزاحة السدف عن بعض علماء ولف” مترجما لأستاذهِ :” ومن العلماء حبيبُ امباكي رئيس الجيل الحاضر فِي العلم لا مراء ولا شكّ. نشأ هو يتيم الأدبِ، وشبَّ غلاما حبيبا ظريفًا مع إخوانه الصَّالحين وحافظا كأكابر الحُفاظ المُتقنين أيّ إتقان، ثم كانت همَّته فِي طلب العلم – وهو صغير- عالية قاطعة كلّ العَوائق دُون مداها، همَّة تزيدُها وتحثّها نفُوذا وارتفاعا قَريحة صَافية نابعة غزيرة، وفكرة ثاقبة وفَهم حَديد، طالب تناولته صَبيا أيدِي المدارس، ثمَّ ودعته رضيا، وقد أودَعته حَاصلات العُلوم ونفائسها”. [ ينظر: الشيخ حبيب الله امباكي العالم الرباني بقلم الأستاذ الفقيه سرين امباكي عبد الرحمان – حفظه الله ورعاه- النسخة الإلكترونية، ص: (2)]

رحل إلى جوار ربه راضيا مرضيا -بعد أن عاش قرنا- سنة 2005م 1427ه‍ ودفن بجوار رفيق دربه الشيخ شعيب امباكي -رضي الله عنهما-.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici